م.قويط

لازلت أتذكر مداخلة إحدى الطالبات التي اختارت التحدث فيها  “بالدراجة المغربية ” حين وجهها قول  أستاد علم الإجتماع  التحدث بالفصحى وجاء الأمر في سياق    التفاعل مع  موضوع الدرس  ، فعللت دارجتها  المنفعلة  بالقول : “خليني أاستاذ العربية مغدياش تبرد ليا الغدايد ” ، وهو ماجعل كل الطلبة  داخل الفصل الدراسي يمسكون خواصرهم من كثرة الضحك نظرا  لطريقتها العفوية في تعليل سبب استخدامها للدراجة عوض الفصحى  ، الطالبة لربما لاتتوفر على جهاز مفاهيمي ولغوي مركب  للتعبير عما يخالجها حول الموضوع لكن عفويتها كانت سابقة في التعبير،  قد نسميها  إعاقة لغوية وثقافية ناتجة عن مراحل سابقة في التكوين .

 وتعمدنا اختيار هذا العنوان الدارجي أيتها السيدات والسادة، راجع لاعتبارين أساسين :  أولاهما لفت انتباه القارئ وهي طريقة صحفية معروفة  لنبش فضوله  لولوج  المقال والدخول بين ثناياه  ، وثانيها يعكس بالمباشر عفويتنا في التعبير تماما كما حدث مع الطالبة والأستاذ  مع تسليط الضوء طبعا  على الجسم الصحفي المغربي الذي كشفت هشاشته كورونا وماجاورها  من أحداث متتالية  ،  حيث أضحى غير مبال  لأخلاقيات المهنة وضوابطها خصوصا الصنف الإلكتروني (الصحافة الإلكترونية ) التي أصبحت تمر على الأخضر واليابس دون التأكد في غالبية الأحيان حتى من  مصدر الخبر وهو أضعف الإيمان في أدبيات الصحافة على المستوى العالمي .

لقد تحولت الصحافة في وقتنا الحاضر،  من مهنة تقوم على جمع وتحليل المعطيات والأخبار والآراء والتصورات وإيصالها نحو جمهورها المتعطش للثقافة والوعي الممكن بلغة محكمة  وجميلة  وذكية  تحترم ذكاء القارئ ، نحو صحافة ” كور واعطي العور ” وهو مثال شعبي معروف  نستقيه من  المخيال الثقافي والشعبي يطلق على الأشياء والخدمات العشوائية الغير خاضعة لمبدأ التنظيم والتأطير ، تزيد الطين بلة لتشكيل وعي كائن  يصبح فيه المتلقي كائنا مستهلكا وجثة هامدة يتلقى الأمور بدون فحص ولاتمحيص فنصير أمام مجتمع الظباع بتعبير السوسيولوجي المغربي  الراحل محمد جسوس .

إن الصحافة والإعلام بشكل عام يعد أحد العوامل الرئيسة في التأثير على وعي الأفراد وسلوكاتهم  الإجتماعية ، وذلك عبر بث العديد من البرامج والمسلسلات وأفلام الكارتون  ( التلفاز ) ، أو عن طريقة مطالعة  المقالات والتصريحات التي تبثها الجرائد الإلكترونية عبر منصات التواصل الإجتماعي التي أصبحت تعج بالأحداث والفضائح الصادمة  من كل حدب وصوب .

إن لكل حقل منطق اشتغاله الخاص وفق آليات وميكانزمات تميزه عن باقي الحقول الأخرى ، فداخل الأدبيات الصحفية  ينبغي أن تتوفر في الصحفي  مجموعة من المواصفات التي تمكنه من العمل بمهنية وانسيابية مع المستجدات المتعلقة بالجوانب السياسيىة أو المحلية أو الثقافية أو الرياضية أو الإجتماعية وغيرها، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ،

_الثقافة الواسعة : حري بالصحفي أن يتوفر على مستوى ثقافي مهم يجعله يتفاعل مع الأحداث والمستجدات بمرونة وانسيابية تجعله يستوعب الجديد من مختلف المجالات والميادين .

إتقان اللغة وقواعدها : من  الواجب ومن البديهي أن يكون الصحفي متمكنا من اللغة من حيث التحرير  والتعبير  ، ذلك أن الخط التحريري وبنيته اللغوية تعكس مؤهلات وقدرات الصحفي ، ومن غير المعقول أن يقوم مدراء المؤسسات الإعلامية بتسليم بطائق الصحافة لشخص لايتقن الكتابة والقراءة .

الحيادية : التعامل مع الموضوعات والمستجدات بحيادية تامة مع احترام جميع الطوائف والمعتقدات و كذا الإنتماءات الإديولوجية ، وغيرها من المواصفات والشروط التي تمكن صاحبها من تقديم منتوج صحفي مهني بدون تلميع أو نقصان ، نقل الخبر كما هو موجود ، فالصحفي هو مرآة المجتمع وكاشف تقلباته وأزماته وصوت المواطن الضعيف .

إن المطالع للمحتوى الصحفي الإلكتروني ، سيلحظ بالملسوس  الطريقة الخرقاء في نقل الخبر ومواكبته ، والتي تقدم بطريقة ” سواقية ” الخبر فتجد اللغة ركيكة ومتناقضة ومتباعدة الشكل والمضمون ، تتقدمها عناوين  بئيسة  لاتحترم ذكاء المتلقي وتتناسى أن فئات من مختلف الأعمار صغارا وكبارا تطلع على المحتوى،  خصوصا مع الدينامية الكبيرة  التي أضحت تعرفها وسائط التواصل الإجتماعي ، من فيديوهات وصور شاذة  تظهر بشكل متتالي ،  ويشاهدها يوم بعد آخر آلاف المتتبعين من الصغار والمراهقين .

By Mr News

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *